hekayate ma3 naher alasse
يبدو أن شيئاً من ذكريات طفولتي أصبح يشكل عاملاً مهماً في تشكيل لوحاتي فالمشاغبة كانت ومازالت مستمرة منذ طفولتي وحتى الآن فعندما كنا أطفالاً في المدرسة نستغل غياب بعض المعلمين عن حصصهم وكنت أجتمع مع مجموعة من الصغار الأشقياء للهروب من المدرسة إلى بستان بجانب العاصي فيه مالذ وطاب من الثمار وكان يذهب أحدنا كفريق استطلاع ليراقب صاحب البستان إذا كان بعيداً أو قريباً من الأشجار التي نود الاستيلاء على ثمارها وكانت حسب أولوياتنا ثمار اللوز الأخضر ،وبعد تأكدنا من خلوالمكان نصعد جميعاً إلى أشجار اللوز ونبدأ بجني الثمار ثم نخبئها ضمن ملابسنا المدرسية من الداخل فتصبح أشكالنا مضحكة كالكرة.
في احد المرات سمعنا صوتاً قادماً من بعيد يهددنا ويتوعد ويشتم حينها أدركنا أننا وقعنا في مصيدة صاحب البستان وبدأنا بالركض لكن الأمر كان صعباً كون الأرض كانت مبللة بالماء وراحت أقدامنا تغوص فيها ماسهل عملية امساكنا وفي عدة مرات كنا نخرج من تلك المعركة ورقابنا حمراء كالكرز من الصفعات كذلك رؤوسنا التي كانت تحلق بطريقة عشوائية "بمقص تقليم الأغصان" ومع ذلك كنا نفلت من قبضة صاحب البستان ونتابع الركض .إلا أننا لم نكن نعرف اتجاهنا فالركل كان يلاحقنا والعصا تنال على ظهورنا لكن لاأذكر التفاصيل تماماً بقدر ماكنت اذكر خروجنا من تحت سور البستان الشائك وتدحرجنا على المنحدر المؤدي إلى العاصي حيث لم نكن نجيد السباحة بشكل كافي ،إلا أن أكثر مايؤلم في تلك الفترة هي ذكرى لأحدى عمليات سطونا والتي كان ضحيتها صديقاً لنا ذهب غرقاً "في سبيل اللوز" وهناك بعض الذكريات التي كلما خطرت في بالي يقف لها شعر رأسي ولاأعرف كيف كنا نقوم بتلك المخاطر دون تفكير أو حساب للعواقب .
في إحدى المرات بعد تعلمي للسباحة بشكل أفضل خرجت مع أصدقائي إلى نهر العاصي وتبارينا في الدخول إلى الساقية التي تضيق في مساحتها لتشكل ماءً هادراً من العاصي باتجاه اجنحة الناعورة من أجل دفع تلك الشفرات وجعل الناعورة تدور فالمسافة كانت حوالي 6 أمتار من الماء المتدفق وكان علينا أن ندخل ضمن تلك الساقية على شرط أن نمسك بأيدينا في طرفي الساقية قبل الوصول إلى أسفل الناعورة التي تزن الأطنان والمسافة بين أجنحة الناعورة والأرض كانت لاتتجاوز الـ10 سم وفي كل مرة أنزل فيها إلى حماة أكون بصحبة أولادي لاأجرؤ على رواية مثل تلك الحكاية خوفاً من أن يمتثل أحداً منهم ويقوم بتلك التجربة على العكس تماماً أحرص دائماً من خلال نصائحي المفرطة في أخذ الحيطة والحذر من الأماكن الخطرة التي تعكس خوف الأب على أولاده من أن يرتكبوا نفس التصرفات لكن لو أنهم يعلمون ماكنت أتصرفه في صغري كانوا سيواجهونني .
أذكر أنه حين علمني والدي السباحة لأول مرة كنت في الصف الثالث اصطحبني حينها إلى نهر العاصي وبعد أن نزعت ثيابي رفعني والدي بأعلى يديه وألقى بي في النهر كما يلقي كيس البطاطا في بيت المونة ،حينها ابتلعت كمية من الماء تكفي لاطفاء كشك يحترق على قارعة الطريق "لكن حلاوة الروح جعلتني أبذل مافي وسعي لأبقى عائماً"كنت أراقب نظرات والدي تلاحقني حين أغطس وأطفو..أعتقد أن هذا الأمر شكل جانباً من شخصيتي فيمابعد وهو اقتحام المخاطر والاستخفاف بها خاصة بعدما تعلمت السباحة .
بدأت أجتمع مع أصدقائي ونتنافس في الغطس حيث يقوم أحدنا برمي قطعة من النقود في النهر ونبدأ بالبحث عنها أذكر في تلك الأيام أن مياه العاصي كانت أنقى من مياه الفيجة لأن حين كنا نغطس كنا نفتح أعيننا ونرى حتى الأشياء الدقيقة في قاع العاصي ولم يكن هناك بقايا لهياكل معدنية وزجاجية وخشبية وماأشبه بذلك كما هو الآن.
لايثير في الشجن شيء بقدر مايثيره ذكرى رحلة كنا نقوم بها مع مجموعة من الأصدقاء إلى جزر في وسط العاصي حيث كنا نشعل الحطب مصطحبين بعض الخضار الطازجة الذي كنا نجنيها من البساتين ،وآخر معه أدوات للطهي ونبدأ بسيران بسيط مع آلة تسجيل غالباً ماتكون معطلة بسبب ابتلالها بالماء أثناء عبورنا وفي أحسن الأحوال كنا عندما نستمع إلى شريط صباح فخري يخرج الصوت ممطوطاً من تبلل الكاسيت .
في أحد المرات أيام شهر رمضان خرجت مع أصدقائي إلى نهر العاصي واستغرق بنا الوقت إلى مابعد الإفطار ولم نكن نحسب حساب قلق أهلنا علينا وفجأة ونحن نحضر للإفطار تفاجئت بقدوم والدي مع شرطي بحثاً عنا..حين شاهدناهم تبسمرنا في أماكنا وكانوا ينادوننا بأن نذهب إليهم لكننا كنا نرفض إلى أن وجدنا الشرطي يقوم بنزع بنطاله وظل محافظاً على شكله في النصف الأعلى كشرطي وجاء إلينا وأخذنا معه وكل ماتذكرت هذه اللوحة أعجز حتى عن رسمها لماتحمله من واقعية مضحكة .
أما ماحصل لي مع والدي بعد ذلك في البيت نتابعه في المشهد القادم .
